====في الطريق للعمل

السادسة والنصف صباحا ،فبعدما سلمت على والدتي الحبيبة غادرت البيت متوجها إلى موقف الحافلات

هناك وجدت الكثير من الناس واقفين مستعدين للذهاب للعمل ، وعندما تقترب إحدى الحافلات يعلو اللغو والكلام الفاحش

ويتزاحم البعض عند الصعود إليها،تسمرت في مكاني من ذلك المشهد الرهيب ومنشدة البرد في ذلك اليوم ودعوت ربي أن يوفقني في الصعود إلى إحداهم بدونتعب ولا مضرة ،حتى جاءت فرصتي وصعدت الحافلة وأنا في ريبة من أمري لأن ذلكالخط الرابط بين حيي ومحطة المسافرين يكثر فيها اللصوص والنشالين

لكن الحمد لله وصلت بخير ومن هناك ركبت الحافلة الذاهبة إلى مدينة سطات ،

البرد كان جد قارصا يدخل في الجلد كالإبر ،

الركاب كانوا ملتوون حول أنفسهم وتجمدت وجوههم من تدني درجة الحرارة فلا ترى إلا بخارا يتصاعد من أفواههم ،

فتكورت أنا الآخر قرب النافدة على يمين الحافلة ومن خلالها كنت أرى المارة تحمل مظلات مختلفة الألوان والأحجام وهناك رجل يتصارع مع قوة البرد هاهو يمشي ،ويمشي، لكن أخيرا يستسلم بعدما تحطمت مظلته ليحاول جاهدا أصلاحها لكن بدون جدوى ليصاب أخيرا بالضجر فيرميها على الرصيف ويهرول مبتعدا للاحتماء، وآخرون يلبسون ألبسة مختلفة الالوان والاشكال وفئة أخرى تنام علىالأرصفة تلتحف بعض القماش البالي وتستند إلى الحائط أو إلى يديها وتفترشالثرى،وسيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة منها تمر مسرعة في كل الاتجاهاتالعريضة والضيقة المحفورة والغير ذلك ،وتصيب المارة بالقلقوالفزع والرهبة ،السيارات والدراجات والشاحنات المقطورة والراجلين وغيرهاتتسابق في حلبة واحدة لتجعل المدينة الكبيرة في فوضى وزحام تام يطبق علىالأنفاس ويصيبها بالرعب ، كل المدينة تحت رحمة القاتل، المنبعث منالنفايات ودخان السيارات والمعامل المتصاعد في كل مكان،وفي خضم هذاالضوضاء كانت حافلتنا تزحف ببطء كالسلحفاة ومرات عديدة تقف تماما عن السيرمما كان يزيد بعض الركاب حنقا لأنهم سيتأخرون عن أعمالهم فكانوا يشتمونالسائق ومعاونيه ومرات عديدة وزارة النقل التي تعطي الرخص للمتلاعبينبأرواح الناس فلم تخرج الحافلة من المدينة إلا بمشقة الأنفس ،فحتى عندماامتلأت كل المقاعد الجلدية القديمة التي أصابها التلف والتمزيق وظهرتمنها كل محتوياتها بقي الركاب يصعدون ويتكدسون وسط الحافلة المسكينة،لتبدأ أخيرا بالسير الجاد لكنها بدت كسكير وسط الظلام متمايلة هنا وهناكمتبولة على الطريق بزيوتها السوداء

وباكيةبصمت من كثرة الركاب وقلة الصيانة ،ومن خلال النافذة بدأت صورة التحضرتزول من عيني ولاحت في الأفق سماء صافية وأراضي فلاحية منبسطة ،تفوح منهارائحة التراب الطيبة لأن الامطار نزلت بكثرة في الأيام القليلة الفائتة،فبدت الأشجار على جنبات الطريق نقية وجميلة عند مرورها إلى الوراء مسرعة وهي مزغردة بصفير الرياح أو ضاحكة

به ، وترى الأراضي قد تزينت

هي الأخرى ببرك مائية متلألئة بخيوط الشمس

المنسابة منها كعقود الزينة والتي بدأت تطلع رويدا، رويدا من مخبأها ،الأمطار غسلت كل الوجوه من العبوس وكل شيء زينته وأعددته للمشاركة في الحفل البهيج فصارت الشمس كالأضواء

والسحابالمار يجعلها تومض وتعود معلنة بذلك بداية الرقص العام ،نعم لقد رأيتالأشجار ترقص والطيور كذلك فرحة تحوم هنا وهناك ،كنت امشي والسماء فينهاية بصري كنصف دائرة والطريق المعبدة بالإسفلت كانت كالمسطرة و الحافلةكقلم الرصاص وأنا حبره أسطر خطا طويلا بعواطفي من مدينتي إلى مدينة سطاتالصغيرة والهادئة لأعيش أياما بين شوارعها وأشجارها الباسقة ،وأعود في نهاية الأسبوع إلى حضن أمي الحبيبة.