كان الجو باردا في تلك الليلةالممطرة المشؤومة عندما سمعنا جهاز الإنذار يدوي في أرجاء الثكنة ...كانتالساعة تشير إلى منتصف الليل ...ماذا يحدث ؟ ..كل الجنود كانو يطرحون نفسالسؤال ..الخوف باد على الوجوه المتعبة التي لم ترتح بعد من عملية التمشيطفي ذلك اليوم ...الكل يحمل سلاحه ويتوجه نحو ساحة العلم حيث نجتمع عندمايدق جرس الإنذار
اجتمع الجميع في ساحة العلم...الكل في مكانه...سارجانات ..كابرانات ...جنود..ينتظرون الكابيتانليخبرهم بالأمر...خرج الكابيتان وهو يضع قبعته القماشية على كتفه ...نجومونياشين تنبئك بعظمة منصب هذا الرجل..ما إن وصل حتى وقف الجميع وقفةاستعداد لحضرة الكابيتان مع تحية العسكري المعروفة...نظر الكابيتان إلىالجنود قائلا : لقد تعرضت القرية المحاذية للوادي الكبير إلى هجوم إرهابيوقد تلقينا صيحات الإستغاثة وعليكم الإستعداد للخروج لنجدتهم ...نظرالجنود نحو الكابيتان وكلهم عزم على آداء واجبهم العسكري رغم أن التعب كانباديا على وجوه بعضهم كما أن المهمة ليست سهلة خاصة أن بعض الطرقات التيتؤدي إلي المداشر ملغمة وصعبة المسالك وقد يبغتك الإرهاب في أية لحضة
إنطلقنا في شاحنات عسكرية نحوالقرية المقصودة ..كان الظلام حالكا وأضواء الشاحنات تكسر الظلام كما كانأزيز محركاتها يكسر هذا الصمت المرعب ..كنا نسير وسط أشجار كثيفة وجبالعالية ووديان مخيفة ...كل الجنود كانو يضعون أيديهم على أسلحتهم وكأنهميتهيؤون لأي هجوم مباغت...وصلت الشاحنات إلى طريق مسدود..هنا نهاية الطريقوعلينا أن نتابع السير على الأقدم..كان علينا أن نقطع هذا الوادي الكبيرحتى نصل إلى القرية المقصودة ..كان السارجان يسدي بنصائحه ..حذاري فقدتفاجؤون بهجوم في أية لحظة ...حذاري من الألغام المزروعو ..كونو حذرينفالمسالك صعبة
انطلقنا نعدو ونتعثر من حين لآخر..كنا لا نسمع سوى صوت (الرونجاس) وهو يقرع فوق الصخور ..كان الموضع مخيفا..ما إن عبرنا الوادي حتى وجدنا أنفسنا عند مدخل القرية ..ياهول ما رأيناكان الدخان يتصاعد من الأبنية الطوبية المتناثرة ..كان السكان في هولشديد..بكاء صراخ نحيب..توجهنا نحو مسجد القرية ..كان الكل يجري ..يصرخ..يستغيث..جثث مترامية هنا وهناك ..مصابون ..الأرهاب لم يترك شيئا ..حتىالأطفال..لفت انتباهي طفل مصاب في رأسه وهو يتوسد حجر والدته وهو يهذي..الإرهاب ..الإرهاب..واصلنا سيرنا ...القائد يسأل بعض السكان..لقد كانوهنا قبل ساعة قتلو بعض السكان...أمرنا القائد بمتابعتهم وتمشيط المنطقة
توجهنا نحو المخرج الجنوبي وماإن دخلن الغابة حتى انفجرت قنبلة كانت بجانب الطريق ..لتتوالى الطلقات منكل الاتجاهات..كان القائد يصرخ ..انبطحو ..انبطحو...فانبطحنا وردينا علىطلقاتهم ...كانو يهربون في كل الاتجاهات ...رأيت أحدهم ..وصوبت نحوهالسلاح وأطلقت النار ..ولم أتذكر إلا ذلك الطفل الجريح وهو يصرخ الإرهاب..الإرهاب..كان الموقف مرعبا...سكت صوت الرصاص ...تفقدنا أنفسنا لم يكنهناك إلا بعض الإصابات الطفيفة .أردنا ملاحقتهم ولكنهم اختفو وسط الأحراشمخلفين وراءهم بقعا من الدماء ..وتوجهنا إلى الثكنة بعد يوم كان مثلالجحيم في ساعة متأخرة من الفجر لنستيقظ في الصباح لعمل جديد